• ×

04:38 صباحًا , الجمعة 17 أكتوبر 1445

إعادة ضبط المصنع للعقل البشري .. كيف ؟ ولماذا ؟ / حامد علي عبد الرحمن

بواسطة : admin
 0  0  775
زيادة حجم الخطزيادة حجم الخط مسحمسح إنقاص حجم الخطإنقاص حجم الخط
إرسال لصديق
طباعة
حفظ باسم
 إعادة ضبط المصنع للعقل البشري .. كيف ؟ ولماذا ؟ / حامد علي عبد الرحمن
عندما تتعرض البرمجة في الأجهزة الإلكترونية إلى مشكلة أو فيروس فإنها تحتاج إلى إعادة برمجة أو إعادة ضبط المصنع وفي بعض الأحيان تحتاج إلى حذف جميع الملفات ( فرمته ) ومن ثم تحميل النظام من جديد . عندها تنتهي المشكلة ويرجع الجهاز كأنه جديد .
في الإنسان .. وفي ـ كل المخلوقات ـ الصانع والخالق هو الله جل جلاله . تبارك الله أحسن الخالقين ، قال الله تعالى عن خلق الإنسان : لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ .. فالله هو من خلق هذا الكائن وأوجده وقد أبدع الله سبحانه وتعالى في صنعه وخاصة فيما يتعلق بالعقل والفكر .. بل إن العقل البشري هذا الجهاز الدقيق الذي يفوق أعظم الأجهزة الإلكترونية هو من أعظم ما خلق الله ..
لماذا العقل البشري بهذه القدر من الأهمية ؟
لأن العقل يؤثر تأثيرا مباشرا على الروح .. والروح هي كل شيء .
الإنسان يتركب من جسد وروح من مادة ملموسة محسوسة ومن نفس لا تُحس ولا تُلمس .
الجسد هذا لا يعني شيئا أبدا هو مجرد آلة .. كل الأشياء الجميلة لا تأتي إلا عن طريق الروح .. ( السعادة ، الفرح ، الطمأنينة ، الحب ، الأفكار .... إلخ ) أيضا كل الأشياء القبيحة لا تأتي إلا عن طريق الروح ( الحزن ، القلق ، الاكتئاب ، الكره ، الحقد ... إلخ ) مهما كان الإنسان يمتلك من إمكانيات جسدية ومادية عالية بدون الروح لن يشعر بأي شيء جميل ، ومهما كانت إمكانياته الجسدية والمادية منخفضة بالروح سوف يشعر بكل شيء جميل
سوف نبدأ بالإجابة على الاستفهام الثاني الذي ورد في العنوان .
لماذا ؟
لماذا يحتاج الإنسان أحيانا إلى إعادة ضبط المصنع ؟
الإنسان يولد نقيا طاهرا .. يقول صلى الله عليه وسلم : ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه
فالإنسان يولد نقيا طاهرا . ولا يلبث أن يتأثر بما يسمع ويرى .. وربما تلوث وربما بقي على صفائه وزاد .. والمؤثر الرئيس في نقاء الإنسان من عدمه هي الأفكار والمعلومات .. وهي ما يشكل العقل .. كل السلوكيات سواء السيئة أو الحسنة بدأت بفكرة اختمرت في العقل وتحولت إلى سلوك . ومن هنا أيضا تتضح خطورة الأفكار .. كثير من الأمراض النفسية وكل الانحرافات السلوكية والاخلاقية والعقائدية سببها الأفكار . ولذلك أكثر ما يخاف العقلاء على عقولهم من الأفكار الضارة المدمرة الفيروسية .. فهم يختارون جلسائهم بعناية ويختارون مصادر معلوماتهم بعناية فائقة . لأنهم يؤمنون بعدوى الأفكار .
ومهما بذل الإنسان واجتهد في تنقية أفكاره والمحافظة على توازنه الفكري إلا أنه وبالضرورة أثناء نموه وتعلمه واكتسابه المهارات الضرورية للحياة يبقى عرضة للتأثر السلبي أو البرمجة السلبية . ولن يكون أحد بمعزل عن ذلك مهما كانت شهادته وعلمه .
ومن هنا جاءت ضرورة إعادة ضبط المصنع أو إعادة البرمجة ما بين الحين والآخر .
الإشكالية أن الإنسان في احيان كثيرة لا يشعر أنه انحرف عن الجادة ولا يشعر بمدى تدهور حالته الروحية .
كيف ؟ وهنا تأتي الإجابة على الاستفهام الأول من العنوان .
كيف يعرف الإنسان أنه يحتاج إلى إعادة برمجة ؟
والأهم .. كيف يعيد البرمجة السليمة إلى عقله .
أما كيف يعرف أنه يحتاج إلى إعادة برمجة .. فهذه لها علامات منها :
الاضطرابات النفسية : القلق ، الاكتئاب ، الشك ، الرهاب ... إلخ
الاضطرابات الأخلاقية والسلوكية : الكذب ، الحسد ، الطمع ... إلخ ويدخل فيها الضعف أمام الهوى والشهوات كالنظر إلى الحرام ، والزنا ، والسرقة .... إلخ
الاضطرابات الدينية والعقائدية : ترك العبادة وخاصة الفروض والتقصير فيها ، والأفكار الالحادية .... إلخ
هذه كلها مؤشرات على أن هناك مشكلة وخاصة إذا عجز الإنسان عن الوصول إلى الحل المناسب ، أو التوبة أو التغيير وأصبح ضعيفا أسيرا لأفكار شاطحة أو سلوك خاطئ ، هذه كلها تؤكد على أنه يحتاج إلى إعادة ضبط المصنع .. وهي تشير إلى أن هناك خلل في قواعد البيانات أو طريقة معالجتها في العقل . وهنا يحتاج الإنسان إلى إعادة برمجة عقله ، وربما احتاج قبل ذلك إلى محو كامل للسجلات والمعلومات المخزنة ، حسب تردي حالته وإلى أي حد وصل إليها .
كيف نعيد البرمجة ؟
ليس من السهولة بمكان فعل ذلك ولاسيما وأن هناك معلومات مخزنة في العقل الباطن صعب الوصول إليها وبالتالي صعب تغييرها .
سوف نطرح هنا بعض الأفكار التي ستساعد في إعادة البرمجة ونتائجها مضمونه إن شاء الله مع الصبر والاستمرار .
في الغالب يحتاج الإنسان إلى صدمة ليفيق ، صدمة تهزه هزا لتتساقط بعدها كل المعلومات والبيانات الغير حقيقية والتي أثرت على فكره وغطت على عقله ومن ثم أثرت على سلوكه . يمكن التعبير عنها بالحكمة العظيمة التي تقول : ( يستيقظ الإيمان وقت الشدة ) .
في أحيان كثيرة بل في الغالب تكون الصدمة بغير تخطيط من العبد تكون إجبارية كالحوادث والأمراض والأزمات .. إلخ .. وهذه من نعم الله على العباد لأنها تعيد التوزان إلى الإنسان . تنمحي معها كل التكلسات الفكرية وتظهر الفطرة السليمة .
العاقل : لا ينتظر أن يصاب بصدمة في نفسه أو في من يحب حتى يستيقظ .
العاقل : أقل المواقف تعيد إليه برمجته الأصلية إلى الفطرة السليمة تعيده إلى ضبط المصنع .
بينما البعض .. يحتاج صدمات وصدمات حتى يستيقظ
الموت ليس نهاية .. وهذه أكبر حقيقة مخيفة ينتظرها البشر . الإيمان بها حق الإيمان يغير حياة الإنسان بالكامل ، ويعيده إلى فطرته السليمة .. ولأن ذلك أقصد الإيمان بها حق الإيمان يحتاج إلى عمل وجهد ويترتب عليه التوقف عن الترهات والأخطاء والتقصير ، يحاول البشر في الغالب تجاهل هذه الحقيقة أقصد الموت أو عدم التفكير فيها ، ودائما ما يبحثون عن بنج مخدر لمشاعرهم حتى لا يفكروا فيه .
رغم أن التفكير في الموت وفيما بعد الموت هو الشفرة الوحيدة التي ستعيد البرمجة إلى وضعها الطبيعي وتعيد العقل إلى ضبط المصنع .
إليكم هذا التمرين السهل والذي سيساعد في إعادة البرمجة
المطلوب محاولة استعراض واستحضار أكبر قدر ممكن ( أسماء ، صور ، مواقف ) لأشخاص رحلوا عنا وافضوا إلى ما قدموا .
آباء ، أمهات ، زوجات ، أبناء ، أصدقاء ، زملاء ، معارف ، مشاهير ..
استعراض الوجوه ، واستعادة الملامح ، وتذكر المواقف
على قدر ما تستطيع التذكر فأنت إنسان .. أما إذا لم تستطع تذكر أحد فأنت إلى الجماد أقرب ..
ثم تأمل ماذا صنعوا .. وماذا صُنع بهم .. وما هو حالهم
ثم تفكر .. كم بقي لك من الوقت لتلحق بهم .. وماذا اعددت لذلك اليوم القادم لا محالة .
أكبر علاج للتقصير هو الاقتراب من الموت . والتفكر فيه
الاقتراب من الموت جعل الملاحدة يوحدون وجعل الكفار يؤمنون وجعل الطغاة يستسلمون .
يقول صديقي :
توفي أحد أبناء القرية قبل عدة سنوات .. كان موته مفاجأ لم يكن كبيرا في السن ولم يكن يعاني من أي مرض خطير ، مات فجأة .. قالوا أنه تعرض لسكتة قلبية يقول صاحبي كانت الوفاة بعد العصر ولم يكن عندنا قبور جاهزة ، ولأن الوقت كان ضيقا اتفق أهل الميت أن يجهزوا القبر في عصر ذلك اليوم ويكون الدفن في اليوم التالي ..
يقول صاحبي وأنا كنت أحد الذين اشتغلوا في حفر القبر وتجهيزه .. وبعد أن اتممنا الحفر والتحديد والتنظيف قمنا بتغطية الجزء الأكبر مما يلي الرأس ولم يبقى إلا مكان صغير يكفي فقط لإنزال الجثمان كما جرت العادة .. أثناء العمل راودتني فكرة مجنونة .. هذا لأني كنت محتاجا إلى شيء يهزني من الداخل .. كنت محتاجا شيء يجعلني اتخلص من هذا الضعف والعجز
يقول فكرت في العودة إلى القبر في الليل والمبيت فيه حتى الصباح .. وفعلا خططت لذلك وقررت ذلك .. انتظرت إلى بعد صلاة العشاء وعندما سكن الليل وتوقفت الحركة تماما في القرية توجهت إلى القبر . يقول : الطريق من منزلي إلى المقبرة تحتاج إلى عشرين دقيقة تقريبا مشيا على الأقدام .
يقول كانت أكثر عشرين دقيقة خوفا ورعبا في حياتي ، استعرضت الماضي ( ذنوبي ، اخطائي ، كم ظلمت ، وكم تجاوزت ، وكم قصرت ) وكأنني ذاهب إلى الموت فعلا فأصابني الرعب والخوف . مما جعلني اتوقف واتراجع عن تنفيذ الفكرة .. ولكن مجرد الفكرة حققت المطلوب وساعدت في إعادة التوازن إلى حياتي ..
ولي صديق أخر يقول ..
مرضت مرضا شديدا شارفت فيه على الموت ، بل إني فقدت الأمل في الحياة .. يقول : كنت انتظر دخول الملكين لمحاسبتي في أي لحظة ، لم أفكر في الصحة ولا في الحياة .. فقط كنت أفكر في العقاب والعذاب ، يقول : كنت مرعوب من الحساب ولم يفتر لساني عن ترديد اللهم أغفر لي اللهم سامحني اللهم لطفك .
وماذا بعد أيها الإخوة الكرام :
لا يغرنكم المال ، ولا الولد ، ولا الجاه ، ولا المنصب ولا الشهادات ، ولا الصحة .. كلها لن تنفع ولن تفيد .
ولذلك أقول إن من أقوى التمارين التي تعيد لنا ضبط المصنع ، تعيدنا إلى الفطرة السليمة . هي الخوف ..
حاولوا أن تخافوا .. الخوف يجدد الإيمان .
ظلام ، مع وحدة ، مع عزلة .. ابتعدوا عن البشر وعن الحياة ولو قليلا جربوا هذه الأشياء مع بعض التأمل والتفكر ستعيد برمجة عقولكم .
حاولوا أن تخافوا خوفا حقيقيا ستسقط كل الأقنعة وكل المعلومات المزورة والغير حقيقية عندها ستولدون ولادة جديدة ولن يبقى إلا حقيقية واحدة هي الله جل جلاله فلا تبغوا به بديلا .

كانت مجرد خاطرة وأفكار عابرة ، الهدف منها أن نعيد حساباتنا ، فإن احسنت فمن الله وبتوفيق الله وإن كانت الأخرى فمن نفسي ومن الشيطان .
سبحانك الله أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

للمزيد عن الكاتب انقر هنا

التعليقات

التعليقات ( 0 )

التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 04:38 صباحًا الجمعة 17 أكتوبر 1445.