- الرئيسية
- الأخبار
-
كتب ومقالات
-
ورقتي في يوم الشعر العالمي .. جمعية الثقافة والفنون بالباحة / حامد علي عبد الرحمن
ورقتي في يوم الشعر العالمي .. جمعية الثقافة والفنون بالباحة / حامد علي عبد الرحمن
0
0
1438
07-21-1440 12:41 مساءً
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. أما بعد
شكرا جمعية الثقافة والفنون بالباحة على هذا النشاط وهذا الحراك .. على هذا التفاعل وهذا الانفعال .. على هذا التنوع وهذا العطاء ..
لن اتحدث عن اليوم العالمي للشعر .. فالشعر ليس له يوم محدد .. نظلم الشعر أن حددنا له يوما واحدا فقط .. جميع الأيام يجب أن تكون شعرا .. لأن الشعر .. مشاعر .. واحاسيس .. وهذا ملازمة للإنسانية لا يمكن فصلها عن بعض ... ولا يمكن أن يكون الإنسان إنسانا إلا بالمشاعر والأحاسيس .. والمشاعر والاحاسيس هي من يكون الشعر
ما هو الشعر ؟
لا أقصد معناه في اللغة والاصطلاح .. فهذا معروف لديكم .. ولا يخفى عليكم ..
ولا أقصد فنونه وأنواعه ولا أقصد العروض والقوافي والأوزان والتقاطيع ..
الشعر ابعد من ذلك وأعمق ..
الشعر : في الحقيقة هو القدرة على قولبة المشاعر وإبرازها إن صح التعبير والقدرة على صياغتها والتعبير عنها .. التعبير .. عن الحب .. عن الحزن .. عن الآلم .. عن البؤس .. عن المعناة عموما .. هو القدرة على ترجمتها في كلمات بسيطة وسهلة .. وهو كما قال ابن خلدون : هو الكلام البليغ المبني على الاستعارة والأوصاف .. ولذلك فإن الشعراء يقدمون خدمة كبيرة جدا للإنسانية .. إنهم يترجمون مشاعرنا .. التي نعجز عن ترجمتها ..
بيت واحد من قصيدة يختصر ألاف الكلمات .. ويعبُر بنا ألاف الأميال .. بيت واحد ينقلنا .. إلى حالة من التجلي ... وإلى حالة من الانعتاق .. فمثلا
عندما تسمع وصفا لحالة الضياع مثل التي وصفها الشاعر بقوله :
إﻥ ﺣﻈﻲ ﻛﺪٓﻗﻴﻖٍ ﻓﻮﻕٓ ﺷﻮﻙٍ ﻧﺜﺮﻭﻩ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟِﺤُﻔﺎﺓٍ ﻳﻮﻡَ ﺭﻳﺢٍ ﺍﺟﻤﻌﻮﻩ
صعب الأمر عليهم قلت ياقوم اتركوه ﺇﻥ ﻣﻦ ﺃﺷﻘﺎﻩُ ﺭﺑﻲ ﻛﻴﻒ ﺃﻧﺘﻢ ﺗُﺴﻌﺪﻭه..
عندما تسمع مثل هذا لا تملك إلا أن تقف مشدوها .. مندهشا .. مأخوذا .. معجبا حد الإعجاب
دقيق .. وفوق شوق .. وحفاة .. ويوم ريح .. يعني بالعامية ( أنس الموضوع ) .. أي بلاغة وأي عظمة هذه .. كيف أمكنه جمع كل ذلك في بيت واحد
تنسب هذه الأبيات للشاعر السوادني ادريس محمد ﺟﻤَّﺎﻉ
يقال أنه فقد عقله أخر أيامه .. و ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺫﻫﺒﻮﺍ به ﺇﻟﻰ ﻟﻨﺪﻥ ﻟﻠﻌﻼﺝ ﺃُﻋﺠﺐ ﺑﻌﻴﻮﻥ ﻣﻤﺮﺿﺘﻪ ﻭ ﺃﻃﺎﻝ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ، ﻓﺄﺧﺒﺮﺕ ﻣﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﺄﻣﺮﻫﺎ ﺃﻥ ﺗﻠﺒﺲ ﻧﻈﺎﺭﺓ ﺳﻮﺩﺍﺀ ﻓﻔﻌﻠﺖ ، ﻭ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎﺀﺗﻪ ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭ ﺃﻧﺸﺪ قائلا :
ﻭﺍﻟﺴﻴﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻤﺪِ ﻻ ﺗُﺨﺷَﻰ ﻣﻀﺎﺭﺑُﻪ ﻭﺳﻴﻒُ ﻋﻴﻨﻴﻚِ ﻓﻲ ﺍلحالين ﺑﺘّﺎﺭ
و ﺣﻴﻦ ﺗﺮﺟﻢ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻟﻟﻤﻤﻤﺮﺿﺔ ﺑﻜﺖ من قوة التأثر ..
هذا هو الشعر .. إذا الشعر لم يهززك عند سماعه فليس حريا أن يقال له شعرا
أو عندما تسمع وصفا لحالة الحب مثل قول الشاعر ..
وحبك مالك لحظي ولفظي وإحساسي وإدراكي وحسي
فإن انطق ففيك جميع قولي وإن اسكت ففيك حديث نفسي
وهي منسوبة للحصري القيرواني .. وله أيضا :
إني أحبّك حبا ليس يبلغه ... همّي ولا ينتهي فهمي إلى صفته
أقصى نهاية علمي فيه معرفتي ... بالعجز مني عن إدراك معرفته
عندما تسمع مثل هذا لا تملك إلا أن تقول .. الله .. الله .. لم يترك الشاعر شيء إلا واستحضر حبيبته فيه المدركات وغير المدركات .. قمة البلاغة ..
بيت شعر واحد يحوّل الحال .. يرفع الوضيع .. وربما وضع الرفيع ..
يحول السخرية والاستهزاء إلى فخر .. كان بنو أنف الناقة يخجلون من هذا الاسم ، حتى أن الرجل منهم يُسأل : ممن هو لا يصرح بذلك إلى أن جاء الحطيئة وقال:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا
فصاروا يتطاولون بهذا النسب ويفتخرون به ..
هذا هو الشعر أيها الكرام وهذه قوته وهذا تأثيره ..
لا أقول هو ديوان العرب فحسب . بل هو تاريخ العرب .. فلولا الشعر لم يكن للعرب تأريخ .. الشعر هو من حفظ لهم تاريخهم وتراثهم ..
ولا أدل على ذلك من المعلقات .. وهي تستحق منا وقفة في مثل هذا المناسبة .. ولكن الوقت محدد .. ولذلك لن اسهب كثيرا في المقدمة ..
عندما شُرفت بالدعوة لتقديم ورقة في هذه المناسبة احترت كثيرا ..
ماذا عساني أقول .. وبماذا اتحدث .. وأي قصيدة اختار .. الأدب العربي كله درر .. درر حقيقة .. وكلها عظيمة .. وكلها تاريخ .. وكلها تسيل عذوبة .. وطراوة
أيكون الحديث عن المعلقات والشعر الجاهلي ..
عن امرء القيس .. . قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ.
أم عن طرفه بن العبد و .. لخولة أطلال ببرقة ثهمد
أم عن الحارث بن حلزة و .. آذَنَتنَـا بِبَينهـا أَسـمَــاءُ
أم عن زهير بن ابي سلمى و.. أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَـةٌ لَمْ تَكَلَّـمِ
أم عن عمر بن كلثوم و.. أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا
أم هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَـرَدَّمِ و عنترة بن شداد
أو عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَـا ولبيد بن ربيعة
أو ودع هريرة إن الركب مرتحل، و الأعشى
أم يا دار مية بالعلياء فالسند لـ النابغة الذبياني
كلها تحف وكل واحدة أجمل من الأخرى ..
أم اختار من شعراء صدر الإسلام .. الخنساء ، أم حسان بن ثابت ، أم قيس بن الملوح ، أم عمر بن معد يكرب ، أم النابغة الجعدي .. أم الأخطل .. أم مالك بن الريب .. كثيرة هي الأسماء .. أم اختار من العصر الأموي : جرير أم الفرزدق ، أم بشار بن برد ، أم جميل بن معمر ، أم كثير عزة ، أم ذو الرمة ، أيضا كثيرة هي الأسماء
أم يكون الحديث عن العصر العباسي وما بعده : عن أبي العلاء المعري ، أم أبي الطيب المتنبي أم أبي فراس الحمداني ، أم ابن الرومي ، أم البحتري ، أم عن البهاء زهير ، أم عن البوصيري ، أم الطغرائي ، أم بشار بن برد ، أم العباس بن الأحنف ، أم عن ابن سناء الملك .. الأسماء كثيرة جدا جدا لا يمكن الإحاطة بها في مثل هذا المقام
أم يكون الحديث عن اللاميات .. ولامية العرب للشنفرى والتي يقول في مطلعها :
أقيموا بني أمي ، صـــــــــدورَ مَطِيكم فإني ، إلى قومٍ سِـــــــــــواكم لأميلُ !
أم لا مية العجم للطغرائي العجيبة .. التي فاضت بالحكمة والتي مطلعها ..
أصالَةُ الرَّأيِ صانَتْني عنِ الخَطَلِ وحِليةُ الفَضْلِ زانَتْني لَدَى العَطَلِ
واسمحوا لي أن استرسل قليلا هنا .. فهي تستحق ذلك .. يقول :
حب السلامة يثني عزم صاحبه عن المعالي ويغري المرء بالكسل
فإن جنحت إليه فاتخذ نفقا في الأرض أو سلما في الجو فاعتزلي
ودع غمار العلي للمقدمين على ركوبها واقتنع منهن بالبلل
إلى أن يقول :
فيمَ الإقامَةُ بالزَّوراءِ لا سَكَني بِها ولا ناقَتي فيها ولا جَمَلي
ناءٍ عن الأهلِ صِفرُ الكَفِّ مُنفردٌ كالسيف عُرِّيَ مَثناهُ عنِ الخِلَلِ
إلى أن قال
أهبتُ بالحظِّ لو ناديتُ مُستمعاً والحظُّ عنّيَ بالجُهَّالِ في شُغلِ
لعلَّهُ إنْ بدا فضلي ونقصُهُمُ لِعينهِ نامَ عنهمْ أو تنبَّهَ لي
أُعلِّلُ النَّفسَ بالآمالِ أرقُبُها ما أضيقَ العيشَ لولا فَسحةُ الأملِ
لم أرضَ بالعيشِ والأيامُ مقبلةٌ فكيفَ أرضى وقد ولَّتْ على عَجَلِ
غالىَ بنفسيَ عِرفاني بقيمتِها فصُنْتُها عن رخيصِ القَدرِ مُبتذَلِ
وعادةُ النَّصْلِ أن يَزهو بجوهرِهِ وليسَ يعملُ إلا في يَديْ بَطَلِ
إلى أن قال :
فيمَ اقتحامُكَ لُجَّ البحرِ تركبُهُ وأنتَ تكفيكَ منهُ مُصَّةُ الوَشَلِ
مُلكُ القناعةِ لا يُخشى عليه ولا يحتاجُ فيه إلى الأنصارِ والخَوَلِ
ترجو البقاءَ بدارٍ لا ثباتَ لها فهلْ سمعتَ بظلٍّ غيرِ مُنتقلِ
ويا خبيراً على الأسرارِ مُطَّلعاً اصمتْ ففي الصَّمتِ منجاةٌ من الزَّلّلِ
قد رشَّحوكَ لأمرٍ إنْ فطِنتَ لهُ فاربأْ بنفسِكَ أنْ تَرعى معَ الهَمَلِ
أم اتحدث عن لا مية كعب بن زهير وقصيدة البردة والتي مدح فيها النبي صلى الله عليه وسلم والتي مطلعها ..
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ
إلى قال
كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ
أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ
مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ الـ ـقُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ
لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ
إلى أن قال
إِنَّ الرَسولَ لَنورٌ يُستَضاءُ بِهِ مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ ( صلى الله عليه وسلم )
أم اتحدث عن روائع المتنبي .. أم اختار روائع أبي فراس الحمداني .. كثيرة هي الروائع .. الحقيقة الاختيار صعب جدا ..
التعداد فقط سوف يستغرق وقتا طويلا .. فكيف لو أردنا الاستعراض أو اختيار شواهد .. لطال بنا المقام ..
ولعلي اختم بقصيدة جميلة اخترتها لكم من روائع الأدب العربي وهي من أجمل ما قيل في الوداع إنها قصيدة بن زريق البغدادي ..
هو أبو الحسن علي أبو عبد الله بن زريق البغدادي. ارتحل ابن زريق البغدادي عن موطنه الأصلي في بغداد قاصداً بلاد الأندلس، لعله يجد فيها من لين العيش وسعة الرزق ما يعوضه عن فقره، وترك في بغداد زوجته التي يحبها وتحبه كل الحب، ويخلص لها وتخلص له كل الإخلاص، فمن أجلها يهاجر ويسافر ويغترب وهناك في بلاد الأندلس - كما تقول لنا الروايات والأخبار - يجاهد الشاعر ويكافح من أجل تحقيق الحلم، لكن التوفيق لا يحالفه، وهناك يمرض ويشتد به المرض وتكون نهايته ووفاته في الغربة ؛ ويضيف الرواة بُعداً جديداً للمأساة، فيقولون أن القصيدة التي لا يعرف له شعرٌ سواها وجدت معه عند وفاته سنة أربعمائة وعشرين من الهجرة.
يخاطب فيها زوجته، ويؤكد لها حبه حتى الرمق الأخير من حياته، ويترك خلاصة لتجربته مع الغربة والرحيل، من أجل الرزق وفي سبيل زوجته التي نصحته بعدم الرحيل فلم يستمع إليها. وفي ختام قصيدته يظهر نادم متصدع القلب من لوعةٍ وأسى، حيث لا أنيس ولا رفيق ولا معين.
والمتأمل في قصيدة ابن زريق البغدادي لا بد له أن يكتشف رقة التعبير فيها، وصدق العاطفة، وحرارة التجربة ؛ فهي تنم عن أصالة شاعر مطبوع له لغته الشعرية المتفردة، وخياله الشعري الوثّاب، وصياغته البليغة المرهفة، ونفسه الشعري الممتد ؛ والغريب ألا يكون لابن زريق غير هذه القصيدة .
لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ
جاوَزتِ فِي لَومهُ حَداً أَضَرَّبِهِ مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُه
فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ الدهرِ أَضلُعُهُ
يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ
ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ رَأيٌ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ
كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ
إِنَّ الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً وَلَو إِلى السَدّ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ
تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمه للرزق كداً وكم ممن يودعُهُ
وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُ رزقَاً وَلادَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ
قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُو لَم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ
لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَستَ تَرى مُستَرزِقاً وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ
وَالحِرصُ في الرِزاقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت بَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ
وَالدهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُهُ إِرثاً وَيَمنَعُهُ مِن حَيثِ يُطمِعُهُ
اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراً بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ
وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً وَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ
لا أَكُذب اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ عَنّي بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ
إِنّي أَوَسِّعُ عُذري فِي جَنايَتِهِ بِالبينِ عِنهُ وَجُرمي لا يُوَسِّعُهُ
رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ
وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلا شَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ
اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ كَأساً أَجَرَّعُ مِنها ما أَجَرَّعُهُ
كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُ الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ
أَلا أَقمتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُ لَو أَنَّنِي يَومَ بانَ الرُشدُ اتبَعُهُ
إِنّي لَأَقطَعُ أيّامِي وَأنفِنُها بِحَسرَةٍ مِنهُ فِي قَلبِي تُقَطِّعُهُ
بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَهُ بِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلى لَستُ أَهجَعُهُ
لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعُ وَكَذا لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ بِنتُ مَضجَعُهُ
ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ الدَهرَ يَفجَعُنِي بِهِ وَلا أَنّ بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ
حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ
قَد كُنتُ مِن رَيبِ دَهرِي جازِعاً فَرِقاً فَلَم أَوقَّ الَّذي قَد كُنتُ أَجزَعُهُ
بِاللَهِ يا مَنزِلَ العَيشِ الَّذي دَرَست آثارُهُ وَعَفَت مُذ بِنتُ أَربُعُهُ
هَل الزَمانُ مَعِيدُ فِيكَ لَذَّتُنا أَم اللَيالِي الَّتي أَمضَتهُ تُرجِعُهُ
فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ
مَن عِندَهُ لِي عَهدُ لا يُضيّعُهُ كَما لَهُ عَهدُ صِداقٍ لا أُضَيِّعُهُ
وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرَهُ وَإِذا جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ
لَأَصبِرَنَّ على دَهرٍ لا يُمَتِّعُنِي بِهِ وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ
عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبُ فَرَجاً فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ
عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ
وَإِن تُغِلُّ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتَهُ فَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ
وبنهاية هذا القصيدة .. تنتهي ورقتي .. آمل أنها كانت خفيفة عليكم ..
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
حامد علي عبد الرحمن
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 01:00 صباحًا الإثنين 7 يونيو 1446.
التعليقات