• ×

11:06 مساءً , الجمعة 17 أكتوبر 1445

حب الله للعبد / حامد علي عبد الرحمن

بواسطة : admin
 0  0  5478
زيادة حجم الخطزيادة حجم الخط مسحمسح إنقاص حجم الخطإنقاص حجم الخط
إرسال لصديق
طباعة
حفظ باسم
 حب الله للعبد / حامد علي عبد الرحمن

قال تعالى في سورة المائدة فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ .. وهناك الكثير من الشواهد والأدلة التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على أن الله تعالى يحب بعض عباده ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
أيها الأحبة : سوف يكون حديثنا اليوم عن كلمة يُحِبُّهُمْ .. التي وردت في الآية الكريمة السابقة .. سنتحدث عن حب الله لبعض عبادة وعن هذه المنزلة الرفيعة جدا جدا .. بل إنها الغاية القصوى التي يرجوها المؤمن ..
لو سمع أحدنا أن الأمير أو الملك يحبه .. ماذا سيكون شعوره .. وكيف يكون حاله لا شك أنه شعور لا يوصف وفرح وسعادة لا يعادلها شيء أخر .. تجد الأرض لا تكاد تسعه من الفرح .. يكاد يطير .. وكل ذلك بسبب حب مخلوق ضعيف مثله .. فيكف لو تأكد أحدنا أن ملك الملوك .. أن الله جل جلاله يحبه .. ولله المثل الأعلى
فقط تخيل أن الله يحبك ...ماذا أكثر من ذلك ..ماذا يريد العاقل أكثر من ذلك ؟
أن تحب الله فهذا طبيعي جدا جدا .. ولكن الأهم هل الله يحبك ؟
عباد الله: كل منا يزعم أنه يحب الله محبة هي أعظم من حبه لوالده وولده والناس أجمعين ، وحب الله أمر فطري جبلي، فالعادة جرت أن تُحب من أحسن إليك وأكرمك وأنعم عليك بنعمه السابغة ، الظاهرة منها والباطنة ، وليس الشأن أن تُحب الله، ولكن الشأن كل الشأن أن يُحبك الله عز وجل ، كل الطوائف والملل على اختلافها وتنوعها وتباينها، يجمع بينها أن كل منها يدّعي حب الله والعمل ابتغاء مرضاته، ولقد ادعت اليهود والنصارى أنهم أحباب الله كما قال الله تعالى: وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَاء ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ . فمسألة أنك تحب الله .. هذه مسألة مفروغ منها .. ولكن الأهم هل الله يحبك ..
أيها الأحبة : قضية حب الله للعبد قضية عظيمة جدا جدا .. ومقام المحبة تنافس فيه المتنافسون ، وشمر إليه السابقون ، وتفانى فيه المحبون ، فمحبة الله قوت القلوب ، وغذاء الأرواح وقرة العيون .
ماذا تعني محبة الله للعبد . تعني السكينة .. تعني الأمن .. تعني البركة .. تعني السعادة .. تعني التوفيق .. تعني القوة .. تعني الكرامة .. تعني الولاية .. باختصار تعني كل معاني السمو والعظمة التي تخطر على الإنسان والتي لا تخطر ..
فليس بعد محبة الله للعبد شيء أعظم وحقيقة المحبة عند أهل المعرفة أنها من المعلومات التي لا تُحَدُّ ، وإنما يعرفها من أعطيها وجدانًا وشعورا لا يمكن وصفه أو التعبير عنه. واقل أثارها ماذكرنا آنفا
أيها الأحبة َ : هَل فَكَّرَ أَحَدُنَا يَومًا وتَأَمَّلَ في نَفسِهِ وَتَسَاءَلَ : هَلِ أَنَا ممَّن يُحِبُّهُمُ اللهُ ؟ وَمَاذَا أَفعَلُ لأَنَالَ هَذَا الشَّرَفَ العَظِيمَ ؟ إِنَّهُ لَمَطلَبٌ مُهِمٌّ وَمُبتَغًى جَلِيلٌ يَصبُو إِلَيهِ كُلُّ تَقِيٍّ صَالِحٍ يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُو رَحمَةَ رَبِّهِ ، وَيُرِيدُ الفَوزَ بِالجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ
أيها ألأفاضل : سنذكر الآن بعض علامات حب الله للعبد فمن وجد في نفسه شيئا منها فليحمد الله وليسأله الثبات والمزيد . ومن افتقدها فليبحث عنها هذا إن أراد السعادة الحقيقية . وقبل أن نتحدث عن علامات حب الله للعبد بالتفصيل أورد لكم أية جاءت بقاعدة أساسية عامة مجملة في حب الله قال تعالى :
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
هذه الآية تسمى أية المحبة أو أية الاختبار فهي تكشف الصادق في حبة من الكاذب المدعي .. وفيها السر والمنهج والطريق الذي يوصل إلى حب الله) ..اتبعوني يحببكم الله ) شرط أن يحبك الله إتباعه واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
إذا من علامات المحب الصادق في حبه اتباع من يحب ولا سبيل إلى الوصول إلى حب الله إلا باتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .. إذا لا يجتمع الحب والمعصية في قلب المؤمن .
تعصي الإله وأنت تزعم حبه .... هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته .... إن المحب لمن يحب مطيع
هذه قاعدة عامة .. وإليكم مزيدا من العلامات والشواهد والأدلة على حب الله للعبد
من أكثر العلامات على حب الله للعبد زهد البعد في الدنيا بحيث تتساوى عنده الأمور ولا يتمناها أقصد الدنيا ولا يطلبها إلا ليتقوى بها على طاعة الله يطلبها لينصر بها الإسلام والمسلمين لا يجتمع حب الله وحب الدنيا والتعلق بها في قلب المؤمن ... جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ، دُلَّني عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلتُهُ أَحَبَّنِي اللهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ . فَقَالَ : " ازهَدْ في الدُّنيَا يُحِبَّكَ اللهُ ، وَازهَدْ فِيمَا عِندَ النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ " الشاهد قوله أزهد في الدنيا يحبك الله
نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ أَحبَابَ اللهِ أَقوَامٌ جَعَلُوهُ ـ تَعَالى ـ نُصبَ أَعيُنِهِم في كُلِّ مَا يَأتُونَ وَيَذَرُونَ ، فَأَخلَصُوا لَهُ وَحدَهُ العِبَادَةَ ، وَوَجَّهُوا لَهُ الأَعمَالَ دُونَ مَن سِوَاهُ ، فَلَم يَكتَرِثُوا لِمَدحِ المَادِحِينَ وَلا ذَمِّ القَادِحِينَ
ومن العلامات أيضا : أَحبَابُ اللهِ قَومٌ وَاظَبُوا عَلَى أَدَاءِ الفَرَائِضِ وَتَزَوَّدُوا بِالنَّوَافِلِ ، فَاستَحَقُّوا بِذَلِكَ مَحَبَّتَهُ لَهُم وَتَوفِيقَهُ إِيَّاهُم ، وَحِفظَهُ لِجَوَارِحِهِم مِنَ المَعَاصِي وَالذُّنُوبِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فِيمَا يَروِيهِ عَن رَبِّهِ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ : " مَن عَادَى لي وَلِيًّا فَقَد آذَنتُهُ بِالحَربِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِليَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افتَرَضتُهُ عَلَيهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بِهَا وَرِجلَهُ الَّتي يَمشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ ، وَإِنِ استَعَاذَني لأُعِيذَنَّهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّالشاهد قوله : وما زال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ..إذن من الأسباب الموصلة إلى حب الله للعبد التزود من النوافل والنوافل دائما لا تأتي إلا بعد إقامة الفرائض .. النوافل دائما لا تأتي إلا بعد أداء الواجبات .. كما جاء في الحديث .. وَمَا تَقَرَّبَ إِليَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افتَرَضتُهُ عَلَيهِ .
ثم اعلَمُوا أَنَّ كَثرَةَ المَالِ وَتَتَابُعَ الغِنَى وَعُلُوَّ الجَاهِ وَرِفعَةَ الشَّأنِ ، لَيسَ دَلِيلاً عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ ، فَإِنَّ اللهَ يُعطِي الدُّنيَا مَن يُحِبُّ وَمَن لا يُحِبُّ ، ولا يعطي الدين إلا من يحب ولا يعطي التقوى إلا من يحب وَلَو كَانَت تُسَاوِي عِندَهُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنهَا شَربَةَ مَاءٍ ، وَقَد مَنَعَهَا ـ سُبحَانَهُ ـ خَلِيلَهُ وَصَفِيَّهُ وَأَشرَفَ خَلَقِهِ مُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَآثَرَ لَهُ الفَقرَ وَالجُوعَ وَقَالَ لَهُ : " وَلَلآخِرَةُ خَيرٌ لَكَ مِنَ الأُولى "
أيها الأخوة المؤمنون :
نعود إلى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي محدثا بقول ربه .. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه .. فالفروض .. الفروض .. الفروض هي أولا .. لا يصح أن ينتقل الإنسان إلى النوافل وهو لم يؤد ما فرض الله عليه .. تقوم الليل وأنت لا تصلي الصبح أو الظهر أو العصر جماعة هذا عجيب .. تصوم الأثنين والخميس وتنام عن صلاة الظهر جماعة أنت تهدر طاقتك وتضيع وقتك فقط .. الحديث أبان الطريق القويم والتسلسل المنطقي أولا الفرائض والواجبات .. ثم النوافل فلا يزال في زيادة في النوافل حتى يحبه الله ..
إذا العملية ليست لأي أحد .. أن تصل إلى أن يحبك الله هذه ليست لأي أحد ..
هنا عمل .. وهنا جهد ومجاهدة .. وهنا تخطيط وتنفيذ .. وحري بنا أن نخطط للوصول إلى أن نكون ممن يحبهم الله .. ولن يكون الطريق ممهدا .. فالله يحب المتقين قال تعالى : فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ والله يحب الصابرين قال تعالى وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ والله يحب المحسنين قال تعالى : وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ " وقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَحَبُّ النَّاسِ إِلى اللهِ أَنفَعُهُم لِلنَّاسِ . ومن علامات حب الله للعبد أيضا أن يهبه الله الأخلاق الحسنة والاتصاف بجميع الصفات الفاضلة فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقا " ومن علامات حب الله للعبد التوبة والإنابة والرجوع قال تعالى : " إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ " ومن علامات محبة الله للعبد أن يقربه الله من نفسه، ويحبب له طاعته ويُكرِّه له المعاصي، ويدفع الشواغل عنه ، ويجعل أنسه في ذكره ووحشته مع غيره
والخلاصة أيها الأحبة الكرام : التوفيق للأعمال الصالحة من أبرز علامات حب الله للعبد .. فإن رأيت نفسك تقوم بالأعمال الصالحة فعلا لا قولا وفي مقدمتها الفرائض وفي مقدمتها .. الصلاة في وقتها وفي المسجد فاعلم أنك إلى خير .. فالصلاة هي المقياس فمن أضاعها وتساهل فيها فهو لما سواها أضيع ..
إذا رأيت نفسك تترك الذنوب صغيرها وكبيرها ..ويترك الشبه صغيرها وكبيرها فأنت على الطريق لأن ترك الذنوب واجب وفرض .. والفروض والواجبات دائما قبل النوافل .. لا يمكن أن ننتقل إلى النوافل ونحن مقصرون في الواجبات .
أيها الأحبة : هل سمعتم بأحد يحبه الله ثم يجعله يعصيه .. كلا .. ثم كلا .. ثم كلا .. من يحبه الله يعصمه ويسدده ويتوب عليه ويصرف قلبه عن الهوى والشهوات .. من يحبه الله يمنحه العزيمة والإرادة لترك المنكرات ..من يحبه الله يمنحه العزيمة والإرادة لإقامة الفرائض والواجبات والتزود من النوافل والسحنات ، من يحبه الله ينزع من حبه الدنيا والتعلق بها .
هذه من أبرز علامات حب الله للعبد وهي الخلاصة .

للمزيد عن الكاتب انقر هنا

التعليقات

التعليقات ( 0 )

التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 11:06 مساءً الجمعة 17 أكتوبر 1445.