• ×

02:44 صباحًا , السبت 11 أكتوبر 1445

ما يبلغ الأعداء من جاهل / حامد علي عبد الرحمن

بواسطة : admin
 0  0  4022
زيادة حجم الخطزيادة حجم الخط مسحمسح إنقاص حجم الخطإنقاص حجم الخط
إرسال لصديق
طباعة
حفظ باسم
 ما يبلغ الأعداء من جاهل / حامد علي عبد الرحمن

ما يبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه .. عن هذا سنتحدث أو بمعنى أصح عن الظلم الخفي .. الظلم الأخطر .. الظلم الأعظم
عندما نقول ظالم أو نأتي على كلمة ظلم .. الجميع .. الكبير والصغير العالم والمتعلم الوزير والفراش الأمير والحقير .... كلهم يدركون تماما أن الظلم محرّم في جميع الاديان والشرائع .. محرّم في جميع القوانين والدساتير .. كلهم يتبرون من الظالم ويدعون عليه .... الجميع بدون استثناء يكرهون الظالم ويمقتون الظلم .. هذا إذا أخذنا الظلم بمفهومه الشامل والواسع وتحدثنا عن الأخرين وحقوقهم
ولكن ... هناك ظلم أشد وأدهى وأعظم لا يلتفت إليه أحد ولا ينتبه إليه أحد .. ولا يعرفه أي أحد . ولذلك الأغلبية يقعون فيه بدون اكتراث إلا من حفظ الله
إنه ظلم الإنسان ذاته ونفسه قال تعالى : فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ............... أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ..
والسؤال هنا : وهل يظلم الإنسان نفسه وكيف يظلم الإنسان نفسه؟ ذلك أنّ الظلم نوع من الإساءة ، فكيف إذن يسيء الإنسان إلى نفسه ؟ ..
والجواب : نعم يظلم الإنسان نفسه وهو أخطر أنواع الظلم وأسواءها ويسيء إليها كثيرا إلى حد التدمير التام أحيانا .. أما علّة ظلم الإنسان لنفسه فهي تنجم عن أمرين هما : الجهل والغفلة . فكم من ظالم لنفسه مسيء إليها وهو يتصوّر أنّه قدّم لنفسه الخير ، وذلك بسبب جهله وعدم إدراكه للأمور قال تعالى : ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) .
وأصعب ما يكون أن تعمل وتجتهد .. أصعب ما يكون أن تجدّ السير في طريق وتقطع المسافات الكبيرة وتضيّع الكثير من الوقت والجهد وفي أخر المطاف تكتشف أنك كنت تسلك الطريق الخطأ .. فأول أسباب ظلم الإنسان لنفسه الجهل .
فالجاهل عدو نفسه .. ما يبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه
نعم فإن الجاهل يصنع في نفسه أكثر بكثير مما يصنعه أعداؤه به ..
دعونا نعرف الجهل بشكل مختصر : الجهل ضد العلم وهو نوعين إما جهل عادي وهو يعني غياب المعلومات فقط وإما جهل مركب هو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه .. ولذلك ربما تجد الشخص يدافع وينافح عن فكرة أو موضوع وربما يستميت في ذلك وهي فكرة خطأ مبنية على معلومات خاطئة .. هذا هو الجهل المركب . يقول العلماء : الإنسان الذي لا يعلم هذا جاهل جهلا بسيط ، أما الإنسان الذي يتوهم الشيء على خلاف ما هو عليه فهذا جاهل جهلاً مركبًا . فالجهل المركب أن لا يكون عقله فارغا فقط بل مليئا بالمغالطات .
قال الله عز وجل : ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ وقال تعالى : ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ..
النصوص في القرآن والسنة التي تحث على العلم والتعلم كثيرة جدا .. لن نستطرد في تتبعها حتى لا نخرج عن موضوعنا ..
إذا فأول أسباب ظلم الإنسان لنفسه الجهل .. ما يبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل في نفسه
وهنا إشارة وإضاءة ولفتة .. إن أكبر صفعة وأعظم ضربة تسددها لعدوك وحاسدك أن تكون منضبطا ومستقيما وملتزما بالحدود التي شرعها الله . أن تحب الله وتعمل لله وتخلص لله .. فعدوك يكره ذلك أشد الكره .. إنك تطعنه بخنجر إذا رآك تترك عادة سلبية أو تطبق سنة حسنة . قال تعالى : وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ وقال تعالى : وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا .. وإن أكبر هدية وأجزل عطية تقدمها لمن يحبك أن يراك تترك المنكرات والمحرمات . باستقامتك تدخل عليه من السعادة والسرور مالا يعلمه إلا الله ... طلب رجل من أحد الفقهاء موعظة أو نصيحة ، فقال : ( لا تسيء إلى أحب الخلق إليك ) قال وكيف ذلك ؟قال نفسك التي بين جنبيك أليست أحب الناس إليك .. تسيء إليها وتظلمها لا عن عمد ولكن عن غفلة وجهل .. ومن لا يكرم نفسه لا يكرم
أيها الأحبة : إنّ كل الذنوب والآثام التي يرتكبها البشر ما هي في الحقيقة إلا محاولات خاطئة لإيصال الخير إلى النفس ، خاطئة لأنها بدون علم .فالجهل مصيبة عظيمة .. رأم نفعا فضر من غير قصد ... ومن البر ما يكون عقوقا
جهلت ولم تعلم بأنك جاهل .... فمن لي بأن تدري بأنك لا تدري
ولذلك قيل عدو عاقل خير من صديق جاهل .. الجاهل يريد أن ينفعك فيضرك ..
السبب الثاني لظلم النفس .. هو الغفلة .. والغفلة تكون بالنسيان .. والتأجيل والتسويف .. وطول الأمل .. تكون بتهوين الذنوب والمعاصي .. قال تعالى : وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ . وقال تعالى عن الغفلة .. اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ . مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ .
أما كيف يصبح الإنسان ظالماً ومظلوماً في نفس الوقت ؟ .. ذلك أنّ الإنسان يتألّف من عقل وشهوة ، فشهوته هنا تظلم عقله وتسحق إرادته ، وتضرب بحقّه عرض الحائط ، فإطاعة الشهوة والانقياد للهوى ظلم للعقل والضمير والوجدان قال تعالى : ومن أضل ممن اتبع هواه وقال تعالى : ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله . وقال تعالى : وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ..واتباع الهوى يأخذ الكثير من الأشكال ونتائجه وخيمة حتى ولو توهم البعض غير ذلك فمثلا الغش في المعاملات والتقصير في المفروضات ربما يحقق للإنسان شيئا من المتعة أو مما يعتقد أنه مكسب ولكنّه في نفس الوقت يكون قد قتل وجدانه وضميره ، ونحر دينة وأخلاقه .. فتكون النتيجة الحتمية والمحصلة النهائية خسارة وهذا هو ظلم النفس .
قبل أن نختم خطبتنا الأولى بقي أن نشير إلى نقطة جوهرية وهي : أن اعظم ظلم يرتكبه الإنسان .. هو الشرك بالله جل وتبارك وتعالى .. قال تعالى : وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
نعم الشرك بالله ظلم عظيم جدا .. عندما نقارن ملك الملوك وخالق السموات والأرض ومن فيها ونشرك به أحد مخلوقاته هذا هو الظلم العظيم ولذلك عندما سئل رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ .. وإن من أنواع الشرك الرياء وهو الشرك الأصغر الشرك الخفي وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن تعمل العمل تقصد به المخلوقين .. ومن لم يخلص النية فجهده ضائع .. فالله لا يقبل إلا طيبا لا يقبل إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم .. ولذلك فان الرياء والسمعة من أشد أنواع ظلم النفس . يضيّع الإنسان وقته وجهد وماله .. ثم تكون وبالا عليه ..
أيها الأخوة الكرام ..
إذا كان الظلم كريهاً ثقيلاً موجعاً فإن أبشع صوره وأفحش ضروبه ، كما أشرنا قبل قليل .. ما كان موجهاً ضد من أمرت بحفظه وصيانته ، وإن أوّل من أُمرت بحفظه وصيانته هي نفسك التي بين جنبيك فهي الأحق بعدلك وشفقتك، وهي الأجدر بإنصافك وإحسانك ، فظلمها جرم عظيم ، وذنب وخيم ، فالنفس هي وديعة الله إليك ، وأمانته لديك ، أمرك تنصفها ، وتعدل معها، وترحمها وتقيها ويلات الدنيا والآخرة 0 فأقسى الناس قلباً من قسى على نفسه ، وأعظمهم غباءً وغبنا من هضم حق نفسه .
أيها الأحبة : يقول جل وتبارك وتعالى : وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه .
ويقول جل وتبارك تعالى : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ .
شبه العلماء النفس بالطفل الصغير الذي لا يعرف مصلحة نفسه .. عندما يتركه أبواه يرمي بنفسه من مكان مرتفع أو يعرض نفسه للخطر دون تدخل فقد ظلماها .. وأيضا عندما يتركانه بدون غذاء وكساء فهذا أيضا ظلم له . وهكذا ظلم النفس .. يأخذ شكلين .. الشكل الأول تركها ترتكب التجاوزات وترمي بنفسها في المهالك دون رادع .. تركها تتعدى حدود الله كما قال تعالى : وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه والشكل الثاني تفويتها حظها من الأجر والثواب قال تعالى وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ... فهو يراوح ما بين دفع مضرة .. وكسب منفعة .. والتقصير في الحالتين ظلم . وللتوضيح نضرب أمثله على النوعين
من يرمي بنفسه للمهالك .. بالجراءة على الله وارتكاب ما حرم ونهى عنه .. بأي شكل من أشكال التجاوزات .. من ذلك على سبيل المثال لا الحصر ترك الصلاة والتقصير فيها .. عقوق الوالدين .. قطع الارحام .. الزنا .. أكل الربا .. النظر إلى الحرام .. الغيبة والنميمة والكذب .. الخ .. كل المحرمات حتى الصغائر .. كل ذلك من صور ظلم النفس ..
أيضا تفويتها حظها من كسب الأجر والثواب والسمو الروحي .. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر .. قيام الليل .. وقراءة القرآن .. وإقامة السنن والنوافل .. صيام التطوع .. الصدقة .. ترك العلم النافع ترك أعمال الخير عموما .. تفويتها كل ذلك من صور ظلم النفس وحرمانها .. ومن أكبر صور ظلم النفس المنتشرة والتي يتهاون فيها الكثير من الناس ترك الصلاة في المسجد مع الجماعة .. إنه الحرمان بعينه إنها الخسارة الفادحة ... أيضا من الصور المنتشرة لظلم النفس تأتي الفرصة العظيمة أحيانا إلى حد باب أحدنا في توسعة طريق أو زيارة مريض أو تسامح أو إحسان أو بر .. ثم يرفضها فيظلم بذلك نفسه ظلما عظيما .
ماذا بقي أيها الأحبة : بقي أن نشير إلى نقطة غاية في الأهمية وهي : أن الفارق بين العلم والجهل .. ليس في المعلومة فقط بل في السلوك والعمل .. تعلم أن هذا الشيء يضرك أو تعلم أن هذا الشيء لا يرضي الله .. ثم تستمر عليه .. ذلك لا يعني إلا شئيا واحدا وهو الجهل وظلم النفس . ما يبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه وفيما أوردنا كفاية إن شاء الله .. إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ

التعليقات

التعليقات ( 0 )

التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 02:44 صباحًا السبت 11 أكتوبر 1445.